فصل: الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي عشر:

ورد النَّهْي عَن التَّضْحِيَة بالثولاء.
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: هَذَا الحَدِيث لم أَجِدهُ ثَابتا.
قلت: وَفِي نِهَايَة ابْن الْأَثِير من حَدِيث الْحسن: لَا بَأْس أَن يضحى بالثولاء.
فَائِدَة: «الثولاء» بثاء مُثَلّثَة مَفْتُوحَة مَأْخُوذ من الثول وَهُوَ الْجُنُون، وتستعمل فِي الأناسي مجَازًا فَيَقُولُونَ: رجل أثول وَامْرَأَة ثولاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: الثول- بِفَتْح الثَّاء وَالْوَاو-: جُنُون يُصِيب الشَّاة فَلَا تتبع الْغنم وتستدير فِي مرعاها، يُقَال: شَاة ثولاء، وتيس أثول.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَأَن لَا نضحي بِمُقَابلَة، وَلَا مدابرة، وَلَا شرقاء، وَلَا خرقاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد، وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة د ت ن ق وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ بأسانيد صَحِيحَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجية عَن عَلّي، وَلَا نعلم رَوَى أَبُو إِسْحَاق عَن سَلمَة حَدِيثا مُسْندًا سواهُ، وَلَا رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق إِلَّا جرير بن حَازِم، وَاللَّفْظ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ هُوَ لفظ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، زَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: «والمقابلة: مَا قطع من طرف أذنها، والمدابرة: مَا قطع من جَانب الْأذن، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة».
وَلَفظ أبي دَاوُد، وَإِحْدَى روايتي النَّسَائِيّ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن، وَلَا نضحي بعوراء وَلَا مُقَابلَة وَلَا مدابرة وَلَا خرقاء وَلَا شرقاء». قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ زُهَيْر: فَقلت لأبي إِسْحَاق: أَذَكر عضباء؟ قَالَ: لَا. قلت: فَمَا الْمُقَابلَة؟ قَالَ: يقطع طرف الْأذن. قلت: فَمَا المدابرة؟ قَالَ: يقطع مُؤخر الْأذن. قلت: فَمَا الشرقاء؟ قَالَ: تشق الْأذن. قلت: فَمَا الخرقاء؟ قَالَ: تخرق أذنها للسِّمَة وَلَفظ ابْن مَاجَه: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يضحى بِمُقَابلَة أَو مدابرة أَو شرقاء أَو خرقاء أَو جَدْعَاء» وَهَذَا لفظ أَحْمد وَهُوَ يرد عَلَى قَول ابْن حزم فِي محلاه: حَدِيث «لَا تُجزئ الجدعاء» لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جَابر الْجعْفِيّ. وَهَذَا طَرِيق لَيْسَ هُوَ فِيهَا، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نستشرف الْعين وَالْأُذن» وَهَذَا الثَّانِي هُوَ لفظ الْبَزَّار وَابْن حبَان، وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ كَلَفْظِ د ت ق، وَلَفظ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج من مُسْتَدْركه كَلَفْظِ ابْن مَاجَه الْأَخير وَمن تبعه. ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. وَلَفظه فِي كتاب الْأَضَاحِي مِنْهُ بِلَفْظ ابْن مَاجَه الأول ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنه لم يذكر فِيهِ العَوَر، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح أسانيده كلهَا، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لزِيَادَة ذكرهَا قيس بن الرّبيع عَن أبي إِسْحَاق عَلَى أَنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بقيس. قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن حجية بن عدي... ثمَّ ذكر ذَلِك بأسانيده عَنْهُمَا ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَسَانِيد كلهَا صَحِيحَة وَلم يحْتَجَّا بحجية بن عدي، وَهُوَ من كبار أَصْحَاب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إرْسَال هَذَا الحَدِيث عَن عَلّي هُوَ الْأَشْبَه، وَفِي رِوَايَة للْجَمَاعَة الْمَذْكُورين كلهم عَن عَلّي قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يضحى بأعضب الْقرن وَالْأُذن» قَالَ قَتَادَة: فَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب، فَقَالَ: العضب مَا بلغ النّصْف فَمَا فَوق ذَلِك. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَخَالف ابْن عبد الْبر وَالْمُنْذِرِي فَقَالَا: لَا يحْتَج بِمِثْلِهَا. وَسبب مقالتهما أَن مَدَاره عَلَى جُرَي بن كُلَيْب الْبَهْزِي، قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَجْهُول لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير قَتَادَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بحَديثه. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم روىَ قَتَادَة عَن جري غير هَذَا الحَدِيث، وَحَدِيث النَّهْي عَن الْمُتْعَة. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو عَنهُ غير قَتَادَة، وَأَثْنَى عَلَيْهِ- يَعْنِي قَتَادَة- وَوَثَّقَهُ الْعجلِيّ فَقَالَ: بَصرِي ثِقَة. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَيَنْبَغِي أَن نعلم أَن لَهُم آخر اسْمه جري بن كُلَيْب، والفارق بَينهمَا أَن هَذَا بَصرِي، وَذَاكَ كُوفِي، وَهَذَا نهدي، وَذَاكَ سدوسي، كَذَا فرق بَينهمَا أَبُو دَاوُد. قَالَ الْمزي: وَرَوَى عَن هَذَا أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَابْنه يُونُس بن أبي إِسْحَاق.
قلت: وَعَاصِم بن بَهْدَلَة، كَمَا ذكره ابْن مَاكُولَا وَأغْرب الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه، فَقَالَ: رَوَى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَأما ابْن أبي حَاتِم فَاقْتَضَى كَلَامه أَنَّهُمَا وَاحِد فَإِنَّهُ ذكر جري النَّهْدِيّ، وَقَالَ: رَوَى عَنهُ قَتَادَة وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي. فَتنبه لَهُ، وَأما ابْن حزم فَقَالَ فِي محلاه: وَرُوِيَ فِي الأعضب أَنه لَا يُجزئ وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق جري بن كُلَيْب وَلَيْسَ مَشْهُورا، وَعَمن لم يسم عَن عَلّي. هَذَا كَلَامه، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة كَمَا تقدم من حَدِيث قَتَادَة عَن جري عَن عَلّي نَفسه لَيْسَ بَينه وَبَين جري أحد، وَقد صرح جري بِالسَّمَاعِ أَنه عَن عَلّي. قَالَ ابْن مَاجَه: ثَنَا حميد بن مسْعدَة، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا سعيد عَن قَتَادَة أَنه ذكر أَنه سمع جري بن كُلَيْب يحدث أَنه سمع عليًّا عَلَيْهِ السَّلَام يحدث «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يضحى بأغضب الْقرن أَو الْأذن» وَكَذَا أوردهُ ابْن الْمُغلس الظَّاهِرِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جري قَالَ: سَمِعت عليًّا يَقُول: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يضحى بأعضب الْقرن».
فَائِدَة: فِي تَفْسِير مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث من الْغَرِيب فَإِنَّهُ مُهِمّ:
مَعْنَى استشراف الْأذن وَالْعين: أَن تشرف عَلَيْهِمَا ويتأملان كَيْلا يَقع فيهمَا نقص وعيب. وَقيل: إِن ذَلِك مَأْخُوذ من الشُرْف- بِضَم الشين وَإِسْكَان الرَّاء- وَهُوَ خِيَار المَال أَي أمرنَا أَن نتخيرها. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقيل: مَعْنَى الحَدِيث أَن نضحي بواسع الْعين طَوِيل الْأُذُنَيْنِ. والمقابَلة والمدابَرة: بِفَتْح الْبَاء فيهمَا، قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من أهل اللُّغَة والغريب وَالْفُقَهَاء: الْمُقَابلَة هِيَ التي قطع من مقدم أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل، والمدابرة الَّتِي قطع من مُؤخر أذنها فلقَة وتدلت مِنْهُ وَلم تنفصل. والفلقة الأولَى تسمى الإقبالة، وَالْأُخْرَى تسمى الإدبارة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فِي كِتَابه غَرِيب الحَدِيث: الْمُقَابلَة الموسومة بالنَّار فِي بَاطِن أذنها، والمدابرة فِي ظَاهر أذنها. وَالْمَشْهُور الأول، والشرقاء والخرقاء ممدودان، وَالْأولَى المشقوقة وَالثَّانيَِة الَّتِي فِي أذنها ثقب مستدير وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور، وَالَّذِي قَالَه جماعات، وَمِنْهُم الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب، وَفسّر صَاحب الْمُهَذّب الشرقاء بِالَّتِي ثقبت أذنها من الكي، والخرقاء الَّتِي شقّ أذنها بالطول. وأنكروه عَلَيْهِ وغلطوه فِيهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ، وَالصَّوَاب الأول، وَعَن الشَّافِعِي أَن الشرقاء: المشقوقة الْأذن طولا- وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الْحَاوِي لَا غير- والجدعاء: المقطوعة الْأذن كلهَا. والعضباء: الَّتِي قد ذهب مُعظم أذنها وقرنها. قَالَ ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ لما قَالَ: ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام وَكَانَ شقّ الْأذن أثرا حصل من الْأَذَى بِطَاعَة الشَّيْطَان، حسن أَن ينْهَى عَن التَّضْحِيَة بِمَا هَذِه صفته؛ لِأَنَّهَا هَدْيه إِلَى الله.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يضحى بالمصفرة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي حميد الرعيني قَالَ: أَخْبرنِي يزِيد ذُو مِصْر- بِكَسْر الْمِيم وَإِسْكَان الصَّاد الْمُهْملَة هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي ضَبطه، وَمِمَّنْ ضَبطه كَذَلِك ابْن الْأَثِير فِي جامعه وَقَيده الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِي السّنَن بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَبعدهَا رَاء مُهْملَة، وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ- قَالَ: «أتيت عتبَة بن عبد السّلمِيّ، فَقلت: يَا أَبَا الْوَلِيد، خرجت ألتمس الضَّحَايَا فَلم أجد شَيْئا يُعجبنِي غير ثرماء فَمَا تَقول؟ قَالَ: أَفلا جئتني أضحي بهَا. قَالَ: سُبْحَانَ الله، تجوز عَنْك وَلَا تجوز عني؟! قَالَ: نعم، أَنْت تشك وَأَنا لَا أَشك، إِنَّمَا نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء. والمصفرة: الَّتِي تستأصل أذنها حَتَّى يَبْدُو صماخها، والمستأصلة هي التي استؤصل قرنها من أَصله، والبخقاء: الَّتِي تُبْخق عينهَا، والمشيَّعة: الَّتِي لَا تتبع الْغنم، والكسراء: الكسير».
وَلم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ صَالح الِاحْتِجَاج بِهِ عِنْده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَاب: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم عَن يزِيد بن خَالِد بدل يزِيد ذُو مصر وَأعله عبد الْحق فَقَالَ: أَبُو حميد وَيزِيد ليسَا بمشهورين- فِيمَا أعلم- وَلَا أعلم رَوَى عَن يزِيد إِلَّا أَبُو حميد وَلَا عَن أبي حميد إِلَّا ثَوْر بن يزِيد.
قلت: تبع فِي ذَلِك ابْن حزم فَإِنَّهُ أعله بهما لَكِن صحَّفها فَقَالَ فِي محلاه: وَجَاء خبر «أَنه لَا تُجزئ المستأصلة قرنها» وَلَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق أبي جميل الرعيني عَن أبي مصر وهما مَجْهُولَانِ. هَذَا كَلَامه. وَكَذَا فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة مِنْهُ- وَصَوَابه عَن أبي حميد- بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ- عَن يزِيد ذِي مصر- كَمَا قَدمته- وَيزِيد هَذَا رَوَى عَنهُ أَبُو حميد الرعيني وَغَيره، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَهُوَ أحد الْأَشْرَاف، وَعَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن أمه قَالَت: قدم يزِيد ذُو مصر عَلَى مُعَاوِيَة فِي ثَلَاثَة آلَاف فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: عَبِيدِي وموالي. فَقَالَ: إِنِّي لأمير الْمُؤمنِينَ وَمَا لي هَذَا. وَأَبُو حميد قد أخرج الْحَاكِم لَهُ وَصحح حَدِيثه كَمَا تقدم، فَهُوَ مُؤذن بِالْوُقُوفِ عَلَى معرفَة حَاله.
فَائِدَة: فِي بَيَان مَا وَقع فِيهِ من الْغَرِيب:
«الثرماء» بِالْمدِّ: الَّذِي ذهب بعض أسنانها. وَقيل: هُوَ سُقُوط الثَّنية. وَقيل: لَا يُقَال ذَلِك إِلَّا لمن سنه من قُدَّام كالثنية والرباعية. وَقيل: أَن تنقلع السن من أَصْلهَا. والمصفرة- بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء- سميت بذلك؛ لِأَن صماخيها صَفِرا من الْأذن أَي: خلوا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هِيَ من أصفره إِذا أخلاه. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته: وَإِن رويت المصفرة بِالتَّشْدِيدِ فللتكثير. قَالَ: وَقيل: هِيَ المهزولة لخلوها من السّمن. وَلِهَذَا جزم الْمَاوَرْدِيّ حَيْثُ قَالَ: الهزيلة الَّتِي اصفر لَوْنهَا من الهزال قَالَ الْأَزْهَرِي: وَرَوَاهُ شمر بالغين وَفَسرهُ عَلَى مَا فِي الحَدِيث وَلَا أعرفهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: رَوَاهُ شمر بالغين وَهِي حِينَئِذٍ من الصغار. والبخقاء: العوراء، وَقيل: البخق أَن يذهب الْبَصَر بِفَتْح الْعين. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: البخقاء: العوراء، وَقيل: البخق أَن يذهب الْبَصَر وَتَبقى الْعين قَائِمَة منفتحة. والمشيِّعة- بِكَسْر الْيَاء-: هِيَ الَّتِي لَا تزَال تتبع الْغنم، فَهِيَ أبدا تمشي وَرَاءَهَا. وَأما من فتح الْبَاء فَلِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى من يسقيها أَو يَسُوقهَا لتأخرها عَن الْغنم.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين موجوءين».
هَذَا الحَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة عَائِشَة أَو أبي هُرَيْرَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ضحى دَعَا بكبشين عظيمين سمينين أملحين موجوءين أقرنين، فذبح أَحدهمَا عَن أمته من شهد لَهُ بالبلاغ وَشهد لله بِالتَّوْحِيدِ، ويذبح الآخر عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد». فِي إِسْنَاده عبد الله بن عقيل، وَقد أسلفنا فِي أَوَائِل هَذَا الْكتاب فِي بَاب الْوضُوء أَن جماعات احْتَجُّوا بِهِ وَأَن التِّرْمِذِيّ حسن حَدِيثه، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ سُفْيَان عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَائِشَة أَو عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن أبي رَافع مَرْفُوعا. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن عقيل، عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر، عَن أَبِيه مَرْفُوعا. قَالَ البُخَارِيّ: لَعَلَّه سمع من هَؤُلَاءِ. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي بَاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج من حَدِيث أبي رَافع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ، وَلم يذكر فِيهِ «موجوءين» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا قَالَه نظر؛ لِأَن فِي إِسْنَاده زُهَيْر بن مُحَمَّد وَهُوَ ذُو مَنَاكِير، وَابْن عقيل لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَاتِم فِي علله عَنهُ: الَّذِي رَوَوْهُ عَن ابْن عقيل كلهم ثِقَات. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي عَيَّاش، عَن جَابر «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذبح يَوْم النَّحْر كبشين أقرنين أملحين موجوءين» فِيهِ مَعَ أبي عَيَّاش هَذَا عنعنة ابْن إِسْحَاق، وَأَبُو عَيَّاش هَذَا رَوَى عَنهُ خَالِد بن أبي عمرَان، وَيزِيد بن أبي حبيب وَهُوَ مَسْتُور لم يتَحَقَّق حَاله. قَالَ عبد الْحق: لم أسمع فِيهِ بتجريح وَلَا بتعديل، وَذكر عَنهُ راويان. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء قَالَ: «ضحى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبشين أقرنين أملحين جدعين موجوءين». فِيهِ قيس بن الرّبيع صَدُوق وَلَا يحْتَج بِهِ. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق آخر فِيهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَمن هَذَا الطَّرِيق أخرجه أَحْمد وَلَفظه: «بكبشين جدعين موجوءين».
فَائِدَة: «الوجاء» بِكَسْر الْوَاو وَالْمدّ-: رض عروق الْأُنْثَيَيْنِ. قَالَ الْهَرَوِيّ: الخصيتان بحالهما. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَالصَّحِيح «موجوءين» أَي منزوعي الْأُنْثَيَيْنِ، قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره.
قلت: وَيُؤَيّد هَذَا رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ وَأحمد عَن أبي الدَّرْدَاء «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بخصيين» وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مِنْهُم من يرويهِ «موجيين» بِغَيْر همز عَلَى التَّخْفِيف، وَيكون من وجيته وجيًا فَهُوَ موجيّ فَقَالَ المطرزي فِي كتاب المعرب: موجيين وموجوين خطأ، وَالصَّوَاب موجوءين.

.الحديث السَّادِس عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خير الضحية الْكَبْش الأقرن».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عبَادَة بن نسي، عَن أَبِيه، عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خير الْكَفَن الْحلَّة، وَخير الضحية الْكَبْش الأقرن». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن الْقطَّان: نسي لَا يعرف حَاله وَآخر مَعَه فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ حَاتِم بن أبي نصر. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: «خير الضَّحَايَا الْكَبْش الأقرن» وَفِي إِسْنَاده عفير بن معدان أَبُو عَائِذ الْحِمصِي وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ أَحْمد: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: عفير بن معدان ضَعِيف فِي الحَدِيث، وَهَذَا حَدِيث غَرِيب. وَذكر حَدِيثه ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من هَذِه الطَّرِيق وَضَعفه بقول التِّرْمِذِيّ، وَنقل عَن يَحْيَى وَالنَّسَائِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي عفير: لَيْسَ بِثِقَة.
تَنْبِيه: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي كتاب الْجَنَائِز عقب هَذَا الحَدِيث: الْحلَّة: ثَوْبَان أَحْمَرَانِ غَالِبا. هَذَا لَفظه، وَمَا رَأَيْت أحدا من أهل اللُّغَة قيدهما بالحمرة.

.الحديث السَّابِع عشر:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن التَّضْحِيَة بالهتماء». يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ فَوق.
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، قَالَ الرَّافِعِيّ: والهتماء هِيَ الَّتِي انْكَسَرَ سنّهَا أَو سَائِر أسنانها. وَفِي الْغَرِيب لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام مَا نَصه: وَأما حَدِيث طَاوس «فِي الهتماء يضحى بهَا» فَإِنَّهَا الْمَكْسُورَة الْأَسْنَان. وَنقل القَاضِي حُسَيْن عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَا يحفظ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَسْنَان شَيْئا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بكبش أقرن فأضجعه وَقَالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد. ثمَّ ضحى بِهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وَقد تقدم بِطُولِهِ فِي أول الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّانِي مِنْهُ، وَقد رُوِيَ من غير طريقها أَيْضا.

.الحديث التَّاسِع عشر:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نحرنا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية الْبَدنَة عَن سَبْعَة وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من هَذَا الْوَجْه وَبِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث حُذَيْفَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أشرك بَين الْمُسلمين الْبَقَرَة عَن سَبْعَة» قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ أَنه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نشترك كل سَبْعَة فِي بَدَنَة وَنحن متمتعون».
قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه وَهَذَا لَفظه عَن جَابر قَالَ: «كُنَّا نتمتع مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ فنذبح الْبَقَرَة عَن سَبْعَة نشترك فِيهَا». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «خرجنَا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مهلين بِالْحَجِّ فَأمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نشترك فِي الْإِبِل وَالْبَقر كل سَبْعَة منا فِي بَدَنَة» وَفِي رِوَايَة: «اشتركنا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَج وَالْعمْرَة كل سَبْعَة فِي بَدَنَة، فَقَالَ رجل: أيشترك فِي الْبَدنَة مَا يشْتَرك فِي الْجَزُور؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا من الْبدن. وَحضر جَابر الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ: نحرنا يَوْمئِذٍ سبعين بَدَنَة اشتركنا كل سَبْعَة فِي بَدَنَة».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه عَن جَابر قَالَ: «نحرنا يَوْم الْحُدَيْبِيَة سبعين بَدَنَة، الْبَدنَة عَن سَبْعَة اشْترك النَّفر فِي الْهَدْي» وَفِي رِوَايَة للبرقاني عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ قَالَ لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «اشْتَركُوا فِي الْإِبِل وَالْبَقر كل سَبْعَة فِي بَدَنَة» وَفِي صَحِيح الْحَاكِم بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث أبي الْأسود السّلمِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «كنت سَابِع سَبْعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأَدْرَكنَا الْأَضْحَى فَأمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجمع كل رجل منا درهما، فاشترينا أضْحِية بسبعة دَرَاهِم وَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، لقد غلينا بهَا. فَقَالَ: إِن أفضل الضَّحَايَا أغلاها وأسمنها. قَالَ: ثمَّ أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ رجل بِرَجُل، وَأخذ رجل بِرَجُل، وَرجل بيد، وَرجل بيد، وَرجل بقرن، وَرجل بقرن، وَذبح السَّابِع وَكَبرُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا» وَفِي الْمُسْتَدْرك وجَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فاشتركنا فِي الْبَقر سَبْعَة وَفِي الْبَعِير عشرَة» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب. وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي سنَنه وَجَمِيع رِجَاله ثِقَات.
قلت: وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَحَضَرَ النَّحْر فاشتركنا فِي الْبَقر سَبْعَة، وَفِي الْبَعِير سَبْعَة أَو عشرَة» قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: وَفِي حَدِيث رَافع بن خديج: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْعَل فِي قسم الْغَنَائِم عشر من الشياه بِبَعِير» دَلِيل عَلَى أَن الْبَدنَة تقوم عَن عشرَة إِذا ذبحت.

.الحديث العشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تذبحوا إِلَّا الثَّنية إِلَّا أَن يعسر عَلَيْكُم فاذبحوا الْجذع من الضَّأْن».
هَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَّا أَن لَفظه: «لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَن يعسر عَلَيْكُم فتذبحوا جَذَعَة من الضَّأْن» وَهَكَذَا رَوَاهُ د س ق فِي سُنَنهمْ: «لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة» وَلم أجد فِي شَيْء من طرق الحَدِيث الثَّنية كَمَا ذكره المُصَنّف، نعم هِيَ هِيَ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم نقلا عَن الْعلمَاء: المسنة هِيَ الثَّنية من كل شَيْء من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم فَمَا فَوْقهَا. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: والمسنة من الْبَقر مَا لَهَا ثَلَاث وَدخلت فِي الرَّابِعَة. وَقيل: هِيَ الَّتِي كَمَا دخلت فِي الثَّالِثَة. ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث ظَاهِرَة مُشكل؛ فَإِن مُقْتَضَاهُ الْجَذعَة من الضَّأْن لَا تُجزئ إِلَّا إِذا عجز عَن المسنة، وَلكنه مِمَّا يجب تَأْوِيله؛ لِأَن الْأمة مجتمعة عَلَى خلاف ظَاهره؛ فَإِنَّهُم كلهم جوزوا جذع الضَّأْن إِلَّا مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر وَالزهْرِيّ أَنه لَا يُجزئ سَوَاء قدر عَلَى مُسِنَّة أم لَا، فَيحمل هَذَا الحَدِيث عَلَى الْأَفْضَل والأكمل، وَيكون تَقْدِيره يسْتَحبّ لكم أَن لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة فَإِن عجزتم فجذعة.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من رَاح فِي السَّاعَة الأولَى فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة. ثمَّ ذكر الْبَقَرَة، ثمَّ ذكر الْكَبْش الأقرن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد سبق بِطُولِهِ وفوائده فِي بَاب صَلَاة الْجُمُعَة وَاضحا.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «دم عفراء أحب إِلَى الله من دم سوداوين».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَالْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا مَوْقُوفا عَلَى أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح رَفعه. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلَاف فِي رَفعه وَوَقفه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَأَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث كَبِيرَة بنت سُفْيَان مَرْفُوعا: «أهريقوا فَإِن دم عفراء أَزْكَى عِنْد الله من دم سوداوين» وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول وَقد ضعفه غير وَاحِد، وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «دم الشَّاة الْبَيْضَاء عِنْد الله أَزْكَى من دم السوداوين» وَفِيه حَمْزَة النصيبي قَالَ ابْن عدي: كَانَ يضع الحَدِيث.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ذبح قبل الصَّلَاة فَإِنَّمَا يذبح لنَفسِهِ، وَمن ذبح بعد الصَّلَاة فقد تمّ نُسكه، وَأصَاب سنة الْمُسلمين».
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ، وَأخرجه مُسلم أَيْضا بِنَحْوِهِ، قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي رِوَايَة: «من صَلَّى صَلَاتنَا هَذِه وَذبح بعْدهَا فقد أصَاب النّسك».
قلت: هَذِه الرِّوَايَة صَحِيحَة من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَقد سلف بِطُولِهِ فِي الْبَاب، لَكِن لَيْسَ فِيهِ لَفْظَة «هَذِه» وَلَفْظَة: «من صَلَّى صَلَاتنَا ونسك نسكنا فقد أصَاب النّسك» وَهِي بِمَعْنَاهُ سَوَاء. قَالَ الرَّافِعِيّ: «وَكَانَ يقْرَأ فِي الأولَى ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت ويخطب خطْبَة متوسطة».
قلت: قِرَاءَته عَلَيْهِ السَّلَام ق واقْتَرَبت تقدم فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وخطبته خطْبَة متوسطة تقدم فِي الْجُمُعَة قَالَ: و«كَانَ لَا يطول الصَّلَاة».
قلت: لَا شكّ فِي ذَلِك فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من أخف النَّاس صَلَاة فِي تَمام» وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَقد سبق بَعْضهَا فِي كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «عَرَفَة كلهَا موقف، وَأَيَّام منى كلهَا منحر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جُبَير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «كل عَرَفَات موقف، وَارْفَعُوا عَن عُرَنَة، وكل مُزْدَلِفَة موقف، وَارْفَعُوا عَن محسر، وكل فجاج منى منحر، وَفِي كل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح» روياه من حَدِيث سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن، عَن جُبَير بن مطعم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّحِيح أَنه عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن جُبَير مُرْسلا. يَعْنِي أَن سُلَيْمَان الْمَذْكُور لم يدْرك جُبَير عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح» قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو معبد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى أَن عَمْرو بن دِينَار حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا بِمثلِهِ. قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار أَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم أخبرهُ، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سَمَّاهُ نَافِع فَنسيته- «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل من غفار: قُم فَأذن، أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب أَيَّام منى» زَاد سُلَيْمَان بن مُوسَى: «وَذبح» يَقُول ابْن جريج: «أَيَّام ذبح» قَالَ: وَرَوَاهُ مُعَاوِيَة بن يَحْيَى الصَّدَفِي عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب مرّة عَن أبي سعيد، ومرّة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح» قَالَ ابْن عدي: وهما جَمِيعًا غير محفوظين لَا يرويهما غير الصَّدَفِي. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمَا رُوِيَ أَن الْأَضَاحِي إِلَى آخر الشَّهْر لمن أَرَادَ أَن يستأني بهَا فَفِي بعضه إرْسَال وَفِي بعضه جَهَالَة.
قلت: وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع عِنْدِي، وَلم يقرأه عَلَى النَّاس. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر عَنهُ: إِنَّه حَدِيث كذب.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الذّبْح لَيْلًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث سُلَيْمَان بن سَلمَة الخبائري، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يضحى لَيْلًا» والخبائري هَذَا مَتْرُوك كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم وَغَيره. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: كَانَ يكذب. وَبَقِيَّة قد عرفت الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مَضَى غير مرّة. وَأَبُو مُحَمَّد هَذَا لَا أعرفهُ، وَذكره عبد الْحق من حَدِيث بَقِيَّة، عَن مُبشر بن عبيد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الذّبْح بِاللَّيْلِ» ثمَّ أعله بمبشر وَقَالَ: إِنَّه مَتْرُوك.
قلت: وَنسبه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَى الْوَضع أَيْضا، وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بَابا فِي التَّضْحِيَة لَيْلًا من أَيَّام منى، وَذكر فِيهِ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه سُئِلَ عَن الْأَضْحَى بِاللَّيْلِ فَقَالَ: لَا. وَعَن الْحسن قَالَ: «نهي عَن جدَاد اللَّيْل وحصاد اللَّيْل والأضحى بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من شدَّة حَال النَّاس، كَانَ الرجل يَفْعَله لَيْلًا فنهي عَن ذَلِك، ثمَّ رخص فِي ذَلِك».
وَهَذَا مُرْسل أَو مَوْقُوف.